بماذا يحلم الطفل الرضيع؟
الأحلام هي جزء من الحياة النفسية للإنسان، ومنذ اللحظات الأولى التي يبدأ فيها دماغ الإنسان في العمل، يظل الحلم والوعي معقدين وأسرارًا غامضة. ولكن ماذا عن الأطفال الرضع؟ هل يمتلكون القدرة على الحلم منذ ولادتهم؟ وما الذي يمكن أن يراه الطفل الرضيع في أحلامه؟
إن حلم الرضيع ليس موضوعًا يسهل دراسته، نظرًا لأن الأطفال في هذه المرحلة من العمر لا يستطيعون التعبير عن تجاربهم الحلمية. ومع ذلك، تشير الدراسات العلمية إلى أن الحلم هو ظاهرة نفسية تحدث في مراحل معينة من النوم، وأن الأطفال الرضع ليسوا استثناءً من هذا القانون. لكن يبقى السؤال عن ماهية الأحلام التي قد يراها هؤلاء الأطفال في ظل عالمهم الصغير، البسيط، الذي يقتصر على المؤثرات الحسية والبدنية المباشرة.
تطور النوم لدى الطفل الرضيع
قبل أن نفكر في أحلام الرضع، يجب أولاً أن نفهم كيف ينمو نومهم وكيفية تطوره خلال الأشهر الأولى من حياتهم. عند الولادة، يمر الأطفال الرضع في دورة نوم متقطعة تتكون في الغالب من فترات نوم عميق وفترات نوم خفيف. وبالنسبة للأطفال في هذه المرحلة، لا يزال النوم لا يتبع دورة ثابتة من المراحل مثلما يحدث لدى البالغين.
مع مرور الوقت، يصبح نوم الطفل الرضيع أكثر تنظيماً، ويظهر لديه ما يسمى بنوم “الحركة السريعة للعين” (REM)، وهو أحد المراحل التي يعتقد العلماء أن الأحلام تحدث خلالها لدى البالغين. يمكن أن يشير وجود هذه المرحلة عند الرضيع إلى أنهم يمرون بتجارب حلمية قد لا تكون مفهومة بعد.
ما الذي قد يحلم به الرضيع؟
قد يبدو من الصعب تحديد طبيعة أحلام الطفل الرضيع، ولكن بعض العلماء يقترحون أن الأحلام المبكرة للرضع قد تكون مرتبطة بتجاربهم الحسية المباشرة. نظرًا لأن الرضع لا يمتلكون قدرة كبيرة على تفسير العالم المحيط بهم، فمن المحتمل أن تكون أحلامهم عبارة عن مشاهد مجردة وغير مفهومة تعكس ما يجري في حياتهم اليومية.
1. الأحاسيس الجسدية
من خلال تجربة الحواس الجسدية، مثل اللمس أو الحركة أو الأصوات، قد يحلم الطفل الرضيع بمشاعر معينة تنشأ عن هذه الحواس. على سبيل المثال، قد تكون أحلامه عبارة عن الإحساس بالاحتضان أو حركة الأم أثناء حمله أو الإحساس بالراحة أو الشعور بالجوع. تعتبر هذه التجارب الحسية جزءًا من تجربة الطفل اليومية وقد تكون محورية في أحلامه.
2. الروابط العاطفية
الرضع يطورون روابط عاطفية قوية مع مقدمي الرعاية، وخاصة الأم. هذه الروابط العاطفية يمكن أن تؤثر في أحلام الرضيع. قد يكون للطفل أحلام تتعلق بمشاعر الأمان أو الحماية أو الاحتياج لمزيد من الاهتمام، وقد يتكرر هذا النوع من الأحلام في مرحلة مبكرة من حياتهم.
3. الصوت والتفاعلات الاجتماعية
الرغبة في التواصل والتفاعل مع الآخرين هي سمة بشرية فطرية، حتى عند الرضع. على الرغم من أن الرضع لا يمكنهم التعبير عن أنفسهم بالكلمات، فإنهم يتفاعلون مع الأصوات التي يسمعونها. قد يتضمن حلم الرضيع أصواتًا مألوفة، مثل صوت الأم أو الأب أو أصوات أخرى في البيئة المحيطة. وقد يتمكن الرضيع، خلال نومه، من دمج هذه الأصوات في أحلامه بشكل تلقائي.
4. الذكريات الحسية والتجارب المبكرة
يشير بعض الباحثين إلى أن الطفل قد يكون لديه ذكريات حسية من لحظات معينة، مثل الذكريات المتعلقة بالبيئة التي نشأ فيها، مثل الضوء أو الظلام، أو حتى المشاعر التي يشعر بها أثناء الرضاعة أو بعد الاستحمام. لذلك، قد تكون أحلامه مشبعة بتجارب حسية مرتبطة بهذه اللحظات.
5. التحركات والأحاسيس البدنية
أثناء نمو الرضيع، تبدأ قدراته الحركية في التغير، حيث يبدأ الطفل في محاولة التحكم في عضلاته وحركاته. هذه التجارب الجسدية قد تجد طريقها إلى أحلامه. ربما يحلم الطفل الرضيع بالتحركات التي يبدأ في تعلمها، مثل حركات اليد أو الركل أو تحريك رأسه. قد تكون هذه الأحلام مرتبطة بآلية تعلم الجسد لكيفية التنقل والتفاعل مع العالم من حوله.
مرحلة النوم “REM” وتأثيراتها على الأحلام
في مرحلة نوم “REM”، يتمثل النشاط العصبي في الدماغ بشكل مشابه للنشاط الذي يحدث أثناء اليقظة. يعتقد العلماء أن هذه المرحلة هي الأكثر ارتباطًا بالحلم، لكن من الصعب تحديد إذا كانت الرضع يعيشون تجربة حلمية مشابهة لما يعايشه البالغون. ورغم ذلك، يشير بعض الدراسات إلى أن دماغ الطفل الرضيع في هذه المرحلة يكون في حالة من النشاط العالي، ما يعني أنه قد يكون في مرحلة من الأحلام التي تنطوي على تجارب حسية.
العلم وراء أحلام الرضع
في الحقيقة، تظل دراسة أحلام الرضع أمرًا معقدًا ومبهمًا إلى حد كبير. قد يمر الرضيع بتجارب غير واعية، لكنها تبقى غير قابلة للقياس المباشر. لكن الأبحاث العصبية والنفسية أظهرت أن مراحل النوم عند الرضيع تتشابه إلى حد ما مع تلك التي تحدث في مراحل متقدمة من الحياة. على الرغم من أن الأحلام التي يراها الرضيع قد تكون بعيدة عن الفهم، فإن الأبحاث تشير إلى أن الدماغ البشري يبدأ في تكوين علاقات مع المحيط ويخزن المعلومات المتعلقة بالحواس والانفعالات منذ اللحظات الأولى من الحياة.
الخاتمة
يظل الحلم عند الأطفال الرضع لغزًا في علم النفس والعلوم العصبية، ولكن مع تقدم فهمنا لآلية النوم والتطور العصبي للدماغ، يصبح من الممكن الاقتراب أكثر من فهم تجارب الأطفال الرضع أثناء النوم. إن أحلام الرضيع، وإن كانت بسيطة في مراحلها الأولى، قد تكون البداية لتكوين شبكة معقدة من الذكريات والتجارب الحسية التي ستستمر في النمو مع تطور الوعي لدى الطفل. وفي النهاية، تظل هذه الظاهرة جزءًا من رحلة الإنسان في معرفة ذاته والعالم المحيط به.
